الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
108562 مشاهدة
نماذج من تحقق المؤمنين بصفة الإيمان الحق

...............................................................................


فمن ذلك الجهاد: أنهم جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم, رخصت عليهم أموالهم, فأنفقوها في سبيل الله, مع أن الإنسان بطبعه يُحِبُّ المال، قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ الخير: هو المال الكثير، ولكن لما صدّقوا بأن النفقة في سبيل الله مما يخلفه الله تعالى عند ذلك سهل عليهم إنفاقها، وأمثلة ذلك كثيرة.
تعرفون مثلا أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في جيش العسرة؛ لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على تجهيز جيش العسرة, الذي هو غزوة تبوك جهّز ثلاثمائة بعير، ثلاثمائة راكب من الغزاة في سبيل الله, أعطاهم الرواحل والأحلاس والأقتاب والأهب والفرش وجميع ما يحتاجونه، حتى العصا التي يسوقون بها الراحلة, وحتى الخطام التي يقودون بها، ومع ذلك أيضا دفع ألف دينار زيادة على ذلك, يعني ما يساوي في هذه الأزمنة أكثر من مائة ألف.
لا شك أن هذا دليل على أنهم هانت عليهم أموالهم, كذلك هانت عليهم أنفسهم، فتعرضوا للقتل في سبيل نصرة الإسلام, صبروا في غزوة أحد حتى قتل منهم سبعون، يتعرضون للقتل فداء لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وحرصا على الشهادة. لا شك أن الذي حملهم على ذلك قوة الإيمان.
كذلك أيضا بذلوا أوقاتهم في سبيل الله تعالى في كل سنة عدة سرايا وغزوات, ولا يتخلفون إلا لعذر، فما الذي حملهم؟ قوة إيمانهم وتصديقهم، فهكذا يكون الإيمان! أنزل الله تعالى فيهم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ لا شك أن هذا دليل على أنهم وفَوا بما عاهدوا الله تعالى عليه، ووفَى الله تعالى لهم بما وعدهم, المشتري: هو الله تعالى, والبائعون: هم المؤمنون, هم البائعون، والمبيع هو الأنفس والأموال, هذه هي المبيع، والثمن هو: الجنة, والوثائق: التوراة والإنجيل والقرآن وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ .
فما الذي حملهم؟ لا شك أنه قوة إيمانهم، ثم أثمر ذلك أن بذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله تعالى، كذلك أيضا صبروا على ما نالهم، لما جاء الأحزاب نحو عشرة آلاف من الكفار أحدقوا بالمدينة وأحاطوا بها من كل جانب، قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ هذا من الابتلاء وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ولكن تمسكوا بعقيدتهم, مدحهم الله تعالى بقوله: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا يعني: أخبر الله تعالى بأنهم سوف يبتلون، وأن هذا الابتلاء لِيَظْهَرَ من يكون صادقا, ومَنْ يكون كاذبا، قد أنزل الله قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ يعني: هل يحسبون أنهم إذا آمنوا لا يفتنون؟‍ لا بد من الفتنة وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ لماذا؟ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أي: من آثار هذا الابتلاء يظهر الصادق من الكاذب.
فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وصبروا على هذا الابتلاء, فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا في إيمانهم، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ فلما ابتلوا بهذا الابتلاء, وضُيق عليهم, وجاءهم العدو من فوقهم, ومن أسفل منهم ما زادهم إلا إيمانا وتسليما, صبروا وصابروا وتمسكوا بدينهم، وعلموا أن النصر من الله تعالى، ولما ضاقت بهم الحال، ونَجَم نفاق المنافقين الذين قالوا: وعدنا محمد أننا نفتح الشام و مصر و العراق ! أحدنا الآن لا يقدر على أن يذهب إلى الخلاء لقضاء حاجته مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا .
هكذا ظهر المنافقون وتبينوا, وثبت المؤمنون وصدقوا، ولما علم الله تعالى صدقهم أنزل النصر أرسل على الأحزاب ريحا شديدة قلّعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وقلبت قدورهم، فلم يستقروا ورجعوا، قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا الجنود هم الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى؛ لإيقاع الزلازل بهؤلاء، ثم ردهم الله وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ .
فهذا من آيات الله لما أنهم ثبتوا على هذه الفتن وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا عند ذلك أنزل الله تعالى نصره؛ لأنه أخبر بأنه ينصر من نصره، فنقول: إن علينا أن نحرص على ما يقوي إيماننا ويثبته في قلوبنا، حتى لا تضرنا الفتن، ولا تزعزعنا الأهواء، ولا ننخدع بكثرة الشبهات ولا بكثرة المنحرفين.